التزمـت .. و لـكن
للشيخ سعيد بن مسفر
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا محمد صلى الله علية وعلى آله وصحبه ، ومن اقتفــى أثره وســــار على دربه، واتبع شريعته ودعا إلى ملتـــه ، وسلم تسليمـاً كثيراً..أما بعـد..
فأيـــها الأحبــــــــة في الله .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
وأسأل الله سبحانه وتعالى كما جمعنا في هذا المكان الطاهر وفي هذه الليلة الشريفة ، جمعنا على طاعته وعلى ذكره بعد أداء فريضته أسأله بأسمائه الحسنى وبصفاته العلا ، أن يجمعنا في جناته ، جنات النعيم وآبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وزوجاتنا وذرياتنا ، وجميع إخواننا المسلمين برحمته إنه ارحم الراحمين ..
التزمت .. ولكن ..
عنوان مثير للتساؤل ، يبحث في مشكلة ويقدم الحلول المناسبة لـها.. هي في الأصل ليست مشكلة ، بل هي بارقة أمل وصحوة مكبّ ، ودليل عافية وعمل لابد منه ..
الالتزام معناه التمسك بطاعة الله وأداء فرائض الله والبعد عن محارم الله والاستقامة على نهج الله ، هذا المعنى العام لكلمة الالتزام وظاهرة الالتزام ظاهرة منظوره وملاحظة ومشهودة ، ليس أدل عليها من حضوركم هذا الحضور الغفير وهذا الجمع الكبير يبعث على الأمل ، لاسيما إذا عرفنا أن معظم الجلوس من الشباب الذين سـلكوا طريقه الهداية إلى الله ، و لفظوا ورائهم كل طرق الغواية والضلال .
ولم يستجيبوا لكل نداءات الشهوة والحرام ، ولبوا نداء ربهم لبيك اللهم لبيك ، وبرهنوا على ذلك بتمسكهم بأوامر الله والتزامهم بشريعة الله ، واستقامتهم على منهج الله ..
لكن بعد الالتزام ، ماذا يعني الالتزام ؟ وماذا يطلب من الملتزم إذا التزم ؟ وما هو البرنامج العلمي الذي يجب أن يسير عليه حتى يصل إلى ساحل النجاة وبر الأمان ؟ وحتى يدخل إلى جنة الرضوان وينجو من عذاب النيران ؟ اسأل الله سبحانه وتعالى كما هدانا ، أن يرزقنا الثبات حتى الممات وان يجعل لنا بصيرة في أمرنا ، ونوراً في قلوبنا وعقولنا وأسماعنا وأبصارنا وجوارحنا ونورا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن إيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ومن تحتنا فإنه لا نور إلا نوره ولا توفيق إلا من عنده ، هو الموفق يوفق من يشاء ويخذل من يشاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويهب الخير إذا طلب : " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهديكم " اللهم اهدنا يا رب العالمين ..
كان سيد الهدى يطلب الهدى ويقول فيما روته عائشة في الصحيحين : " كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول اللهم رب جبرائيل وميكائيل و إسرافيل ، فاطر السماوات والأرض أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني ـ وهو سيد الهدى - يقول اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " ، فاللهم أهدنا لما اختلف فيه الحق بعلمك وبإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ، هناك موقف وهناك مخذول وهناك مضل وهناك مهدي فلا هادي إلا من هدى الله ولا موفق إلا من وفقه الله ..
اشترى قاض من قضاة البصرة جارية في عهد السلف ، وفي أول ليلة وهي في بيته قام آخر الليل يتفقدها ، لأنه لا يعرف عن أخلاقها شئ فلما دخل غرفتها وإذا هي ليست في الغرفة ، فأساء الظن أين ذهبت وحينما بحث وجدها في زاوية غرفتها وهي تناجي ربها في آخر الليل وتقول وهي ساجدة ، اللهم أني أسألك بحبك لي أن تغفر لي ، سمع الشيخ هذه العبارة وقال : إن الأولى أن تقول اللهم أني أسألك بحبي لك - لأن الإنسان يتوسل بفعله وعمله - أن تغفر لي ، فانتظرها حتى أسلمت ثم قال لها وهو عالم ، قال لها لا تقولي اللهم إني أسألك بحبك لي ، وإنما قولي اللهم إني أسألك بحبي لك ، فقالت له : ليس الهم أن تحِب لكن الهم أن تحَب ..
فليس المهم أن تحب ، قد تحب أحدا لكنه لا يحبك ، ولهذا سؤال النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله حبه . " اللهم أني أسألك حبك وحب من يحبك ، وحب كل عمل يغريني إلى حبك ، اللهم اجعل حبك إلي أحب من الماء البارد على الظمأ ، اللهم ما أعطيتني مما أحب فأجعله لي عونا على ما تحب وما زريت عني مما أحب فاجعله لي فراغا فيما تحب." انظروا إلى الكلام العظيم ، اللهم ما أعطيتني مما أحب لأن الإنسان يعطى أشياء يحبها يعطى المال وهو يحبه ويعطى الزوجة وهو يحبها ويعطى المنصب وهو يحبه ويعطى الولد وهو يحبه ، فيقول صلى الله عليه وسلم اللهم ما أعطيتني مما أحب بهذه الأشياء ، فاجعله عوناً لي على ما تحب ، فاجعل الزوجة عونا على محبتك ، أجعل المال عونا على محبتك أجعل الأولاد عونا على محبتك ، و اجعل المنصب عوناً على محبتك لأنه من الناس من يعطى بما يحب فيكون ما يحب قاطعا له عن محبة الله الزوجة إلي يحبها تقطع الطرق بينه وبين الله المال الذي يحبه يقطع الطريق بينه وبين الله فيصبح حبه لهذه الأشياء مانعا له من محبه الله عز وجل.
الالتزام أيها ، الأخوة يحتاج من الإنسان إلي فهم لمعناه ولحقيقته ولمقتضياته .
أما معناه :- فهو التمسك والاستقامة على دين الله ظاهرا وباطنا .
التزام في المنعقد والتزام في العبادة والتزام في السلوك والأخلاق والتزام في التعامل ، هذا هو الالتزام الكامل التزام في الظاهر والتزام في الباطن التزام في المسجد والتزام في العمل والتزام في السوق والتزام في البيت ، لأنك خضعت ، : ( قل إن صلاتي و نسكي و محياى ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ).
الدخول في الدين والالتزام يجب أن يكون دخول كامل ، و غيره يسمى دخول جزئي تشريحي ، يأخذ من الدين لحية و ثوبا فقط ، وذاك يأخذ من الدين صلاة فقط ، لا000 الله عز و جل يقول : ( يا أيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافة )
ما رأيكم لو أن شخصا اشترى له سيارة ، ومشى فيها كاملة ، سيارة تسير ، و آخر راح للتشليح وأخذ مقوداً وركب فوق رأسه منبهاً ، ثم أخذ يمشي في الشارع ويضرب المنبه ، هل هذه سيارة ؟ لا00 هذا مجرد مقود و منبه فقط ، لكن أين بقية أجزاء السيارة فلا بد من توفرها ؟ كذلك الدين له أجزاء لابد من توفرها لا نأخذ من الدين المنبه فقط ولا نأخذ المقود فقط ، والإشارة خذ الدين كافة ..
كما قال عز وجل : ( ادخلوا في السلم ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) ، هذه الظاهرة ولله الحمد التي نشهدها في شباب الأمة رغم جهود الأعداء 00 أعداء دين الله وضراوة الهجمات وشراسة الأساليب التي تسلط على الشباب من اجل إبعادهم عن دينهم وزعزعة عقيدتهم من قلوبهم ، ولكن ولله الحمد تواجه كل هذه الجهود بالإتمام والتمسك والعودة إلى الله 00
غير أن الشباب الملتزم يواجهون بعض المشاكل ، منها :
أولا الجهل بما يجب أن يفعله الملتزم بعد الالتزام :
يقول ماذا افعل الآن ليس لديه منهج أو برنامج ، ليس لديه خطوات يسير عليها بمجرد انه التزم ثم 00 أين يذهب ؟ فيرتب له هذا الجهل الوقوع في بعض المعضلات ، أهمها الانتكاس لأنه إذا التزم وسار فترة لا يعرف ماذا يعمل بعد ذلك يرجع إلى ما كان عليه والعياذ بالله ..
ومنها الالتزام الأعوج :
فبدلا من أن يكون ملتزماً التزامًا مستقيماً ، يلتزم التزاماً أعوجاً 00 أعوجاً في أخلاقه وتصرفاته وفهمه للنصوص ، وفي تعامله مع نفسه وفي تعامله مع زوجته وأولاده حتى في تعامله مع والديه وأيضا في تعامله مع مديره وزملائه 000 لماذا ؟ لأنه ملتزم غلط ، لا يعرف الالتزام المستقيم ، ويظن انه على هدى بسبب جهله بمعنى الالتزام وبما تقتضيه عملية الالتزام 0
أو الالتزام الأجوف :
ونعني به انه يلتزم الإنسان في الشكل ولا يلتزم في المضمون ، فيكون أجوف ظاهره طيب ولكن باطنه خراب ، هذا لا ينفع لابد من الالتزام الكامل الذي يشمل الظاهر والباطن 0
أو الفهم الخاطئ للدين:
فلم يفهم الدين كما أراد الله ، ولم يتلقاه من الكتاب والسنة ، ففهمه فهما مغلوطا ، أحيانا تلقى بعض الأفكار الضالة والعقائد المنحرفة كعقيدة الخوارج والمعتزلة أو الأشاعرة ، أوالعياذ بالله القدرية أو عقيدة المرجئة هذه عقائد قد اندثرت لكن بقيت مضامينها موجودة في الناس قد يقول أحدهم كيف ؟ فأقول :
عقيدة الإرجاء :- الإرجاء يعتمد على أن الإيمان ليس له علاقة بالعمل إذ لا يضر مع الإيمان عندهم ذنب ولا ينفع مع الكفر عمل فيقولون أنت تؤمن بالله وتصدق بلسانك ، أما العمل ليس من الدين وليس من الإيمان .
هذه العقيدة ضيعت دين الله وأذهبت شريعة الله ولكنها إلى الآن موجودة في كثير من الناس عندما تكلمه عن أوامر الله . عن الصلاة في المسجد عن إطلاق لمحته قال يا شيخ ربنا رب قلوب إن الله لا ينظر إلى أجسامكم .
عقيدة الخروج والخوارج :- عند المتدينين الذين يفهمون الدين ويتحمسون له ويندفعون إليه ، ثم يكبر في قلبهم الحماس حتى يتجاوزون حدوده ، ولهذا سمو المارقة لأنهم يمرقون من الدين ، و يقول عليه الصلاة والسلام فيهم " يحقر أحدهم صلاته إلى صلاتهم وعبادته إلى عبادتهم فقال يمرقون من الدين كما تمرق الرمية من السهم أو السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه يقرؤون القرآن لا يتجاوز حناجرهم " أي أن حظهم من القرآن التلاوة ، لكن لا يفهمون منه شيء ولا يدخل إلى قلوبهم منه شيء . و موجود هذا في بعض المجتمعات كثيراً . إذا رأيته وجدته يتوقد من الحماس لهذا الدين لكنه ليس على الدين الحق .. الدين ما شرعه الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم . فمن أين يأتي هذا ..؟ يأتي من الخطأ في الالتزام ..
فالالتزام يحتاج إلى ضوابط وإلى موازين ، بحيث لا ينحرف الملتزم فيضل اكثر من ضلالة ذلك المنحرف ، لأن المنحرف إلى الشر والواقع في الزنا والغناء والمعاصي ، ضال وهو يعرف أنه ضال ، ولذا يمكن أنه يوم من الأيام يتوب ، أما الملتزم الخاطئ ، فيسير في الخطأ ، ويظن أنه على هدى ، ولهذا ليس هناك أمل في إصلاحه لأنه يحسب أنه على الهدى " زين لهم سوء أعمالهم " ، فتأتي الخطورة في انحراف الملتزم من هذا الجانب .
إذن السؤال الذي يتردد في ذهن كل شخص :-
ما الواجب علي فعله بعد الالتزام ؟
و الواجب هو :
أولا :- أن تعرف أنك بالالتزام قد انتقلت من حياة إلى حياة جديدة ، و أن حياة العبث و اللهو و حياة المعصية و الشرود و التمرد على الله ، رفضتها أنت وأقبلت على الله ، فينبغي أن تهيئ لنفسك مناخا يتناسب مع الحياة الجديدة ، وأن تجري تغييرات في أسلوب حياتك .
الكتاب الذي كنت تقرأه تغيره بالكتاب الإسلامي ، المجلة التي كنت تقرأها وهي غير إسلامية ، تبدأ فتغيرها بمجلة إسلامية ، الشريط الذي كنت تسمعه من غناء و غيره تبدأ فتغيره بشريط إسلامي . النوم الذي كنت تنام متأخر تبدأ فتغيره بالنوم مبكراً حتى تستيقظ لصلاة الفجر. الصديق والزميل الذي كنت تسير معه على الباطل تغيره بصديق وزميل تمشى معه على الحق. العلاقة التي كنت تربطها بالقهوة والشارع والرصيف والسوق تقطعها وتبدأ علاقة جديدة بالمسجد وحلقات العلم .. لماذا .. ؟
لأنك تغيرت و صرت ملتزما ، فلم تعد الشخص الأول .. عينك تغيرت ، فقد كانت تحب النظر إلى النساء أما الآن فلا تنظر إليهن .. أذنك تغيرت كانت تسمع الغناء والآن لا .. و لسانك تغير ، كان يتكلم في الحرام والآن لا يتكلم إلا بخير ، إذن كل شئ في حياتك تغير ، فيجب عليك أن توطن نفسك وتشعرها وتستشعر من قرارتها أنك قد انتقلت من حياة إلى حياة . ومن وضع إلى وضع فينبغي لك أن تتكيف مع الجو الجديد والمناخ الجديد ، وأن تتعامل معه على هذا الأساس .
إذا أولا :- شعور قلبي يترجم إلى واقع عملي ينبعث من عمق النفس البشرية وهذا يتطلب منه الخطوة الثانية وهي :-
· أن يتعرف ويتعلم هذا الدين الذي التزم به :-
فيبدأ في العلم ، يحفظ القرآن الكريم ، و كلما حفظ سورة أثرت فيه و غيرت ، فيتدبر المرء القرآن و يرى ما الذي أراده الله منه ؟ و يقف عند الآيات و يراجع نفسه مع مضمونها ، كما كان السلف رضى الله عنهم يعملون ..
يقول عبد الله بن مسعود : " كنا لا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتى نعيهن ونعمل بهن " فإذا انتهى من العشر وتطبيقهن انتقل إلى العشر الأخرى ، ولذا كانوا يتعلمون ويعملون ، أما اليوم فنقرأ القرآن ونختمه وإذا انتهى منه لو سئل : ماذا قرأت ؟ قال : قرأت كذا و كذا .. ، بماذا أمرك الله ؟ قال : لا أدري ، عن ماذا نهاك الله فيما قرأت ؟ قال لا أعلم ..، فهذا ليس تعاملا شرعيا مع القرآن ، الله أنزل القرآن ليعمل به بعد التدبر ، يقول عز وجل " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليتدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب " ، ويقول عز وجل : "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" ..
فيجب عليك أن تتعلم الدين الذي التزمت به وتعرف الطريق التي سرت فيها ، فتبدأ في حفظ القرآن الجزء الأول منه –حفظاً يغير نفسك – ، و تتابع بحفظ شيء من السنة – تبدأ بالأربعين النووية – وتقرأ شروحها من كتاب ابن رجب الحنبلي جامع العلوم والحكم ، ثم تبدأ بآداب المشي إلى الصلاة الذي ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، و تبدأ بالأصول الثلاثة في العقيدة ، و تقرأ في مختصر السيرة النبوية لمحمد بن عبد الوهاب ، أي تبني نفسك عملياً ..
فللعلم سيماء في الوجه ، العلم نور ، والذي يمشي بدون علم مثل الذي يمشي في الظلام ، والذي يمشي في الظلام يقع في الآفات وربما يصاب في طريقه وهو لا يشعر .. فلابد بعد الشعور بأنك انتقلت إلى الحياة الإيمانية أن تبدأ في الحياة العملية ، بطلب العلم ، و أن ترفق العلم بالعمل لا تقول العلم ثم أعمل ، لا ، فأي شئ تعرف أنه من الدين بدليل الكتاب والسنة ، يلزمك أن تطبقه بسرعة فتتعلم وتعمل معا في آن وأحد .
ثم تجري التعديل في أسلوب حياتك . مثلا في العبادة كنت تصلي صلاة عادية كما يصلى أكثر الناس الآن يأتي متأخر ثم يكبر ويستسلم للأفكار والخطرات والمعاني ثم يسلم ويذهب بالسنة ، أما الآن فذلك العهد انتهى .. فتأتي قبل الآذان وإذا تأخرت فمع الآذان أما تكبيرة الإحرام لا يجب أن تفوتك بحال ، يقول أحد السلف : " إذا رأيت الرجل تفوته تكبيرة الإحرام فانزع يدك منه " ، فإنه ليس بشي هذا الذي تفوته تكبيرة الإحرام ، فكيف بمن لا يصلي ، و أنت ملتزم يجب أن يكون الصف الأول لك بل الروضة لك .
و يقال " بئس العبد الذي لا يرى إلا إذا دعي .." ، و لذا كان معظم السلف لا يسمعون الأذان من خارج المسجد .. هذا هو الالتزام الصحيح ..
ثم كيفية الصلاة – تكبر بتحقيق وتقرأ بترتيل وتتأمل معاني القراءة ، ثم تركع بخشوع وتسجد في خضوع وتجلس في يقين وتتشهد في طمأنينة وتسلم في رجاء ، وبعد هذا لا ندري قبلت صلاتك منك أم ردت عليك ، يقول أحد السلف : " والله لئن تختلج الأسنة بين كتفي احب إلي من أن أذكر شئ من دنياي في صلاتي " ، فكيف بصلاتنا ؟ فيجب أن يتغير وضعك مع العبادة ، ثم يتغير وضعك مع النافلة ، كنت في السابق تصلي الفرض فقط أما الآن فأنت ملتزم تصلي الفرض وثم الرواتب والنوافل وتقوم الليل وتصلي ركعتين الضحى هذه لا تدعها لأنك ملتزم ، إذ كيف تكون ملتزم لو تركتها ملتزم بالكلام فقط ؟ شيء مؤلم عندما ترى أكثر من يقضي الركعات الملتزمين ، وتجد العوام العاديين في الصف الأول ، إذن فمن الملتزم الحقيقي ؟ الذي في الصف الأول ، أما الآخر وإن كانت عليه سيماء الالتزام ، لكن عمله ليس عمل الالتزام ..
أيضا في الإنفاق :- أنت ملتزم إذن لابد أن تدخر شيئان لك عند الله من مصروفك الشخصي إن كنت طالب أو من مصروفك العادي إن كنت رب الأسرة ، أجعل شئ من دخلك ولو كان ( 10 ) ريالات أو ( 50 ) أو ( 100 ) ريال ..
علاقتك بالعلماء :- وبمجالس العلم و الندوات وكل عمل يحبه الله و يرضاه ، فأجر تغيير على هذا الوضع.
كذلك في السلوك والتعامل والأخلاق : فقد تغيرت و أصبحت ملتزماً ، و قد كنت تمر في الشارع وتقود السيارة بسرعة ، لكن منذ أن تلتزم ، تسير بانتظام ، فإذا شغلت السيارة قلت " بسم الله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " ، و تحرك السيارة بأدب ، و يقال أن القيادة فن وذوق وأدب ، وأنا أقول القيادة دين وذوق وأخلاق ، فنعرف دين الإنسان من قيادة السيارة ، تمشي و تمسك جانبك الأيمن تتجاوز بأصول ، عند الإشارة تقف ، ثم تسير ولا تسرع ، قال تعالى : ( ولا تمش في الأرض مرحا ، إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) ..
لأن مشيتك في الشارع وأنت ملتزم عبادة ودعوة ، فإذا رأوك الناس وأنت تمشي في الشارع ومر أحدهم وتوقفت له حتى يسير فماذا سيقول ؟ سيقول : " ما شاء الله انظروا إلى المتدينين ، الدين عظيم ، يهذب الأخلاق و يترك لي فرصة السير " ، لكن إذا حصل عكس ذلك ، فسبقته و رأى لحيتك ، فسيقول : " انظر إلى هذا المطوع المعقد ، ولا أعقد من المطاوعة هذا أبو ذقن يضايقني ".. الخ ، إذن فمشيتك في الشارع دعوة إما لك وإما عليك .
· و تجري تغير في التعامل :- وأنت موظف تدخل للمكتب تبتسم وترد السلام ، تسأل عن حال الجميع ، وتكون سباقا للخير في الخدمة في الأخلاق في الكرم .. لماذا ؟ لأنك ملتزم بالدين .. كنت في السابق لا أخلاق لا مبالاة بمراعاة أو إكرام الناس ، لكن عندما التزمت يفرض عليك التزامك أن تغير أخلاقك بأخلاق الإسلام ، لكن الحقيقة أن هناك توجه عكس ذلك ، فتجد بعض الشباب أخلاق ، فإن التزم تغيرت أخلاقه وإذا دخل على زملائه في المكتب ونظر إلى لحاهم وهي محلوقة جلس بدون أن يسلم ، وإذا سئل لماذا ؟ قال لا أسلم على العصاة ..! ، يا أخي إذا كانوا عصاة في حلق لحاهم ، فأنت أكبر عاصي في تعاملك السيئ معهم ، لا ، عليك أن تسلم وأن تبش وأن تكرم ، لماذا ؟ حتى تكسب قلوبهم ، لكن إذا تعاملت معهم بهذا المنطق فستبغضهم في الله ، وإن لم تسلم عليهم فسيبغضوك ، وإن أبغضوك أبغضوا دعوتك ودينك ، وتكون أنت بتصرفك هذا بدل أن تدعو إلى الله ، تطرد الناس عن دين الله .
· ثم تغير وضعك في البيت : مع أولادك وأمك وزوجتك ، بالتزامك بالجلوس في المنزل بدل السهر .
و تعطي المرأة حقها من الأشياء والجلوس والتعامل الطيب ومساعدتها ، فهذا الفعل ينعكس زوجتك فتحب الالتزام وتلتزم كذلك ، لكن إذا التزمت وأخذت تخرج ولا تراك أبدا ، من رحلة إلى موعد.. فبالتالي ستكره الالتزام ، كذلك مع والدك ووالدتك … ترافق الوالد دائما وتساعده في شؤونه ، هذا ينعكس على والدك فيحب الدين والالتزام .
بعض الشباب إذا التزم انقطعت صلته بوالديه بحجة أن أبويه عصاة ، ولا يجوز خدمتهم فيكره الوالد ولده ويكره الالتزام ، ويمنع الباقين من أولاده من الالتزام .. و هذا خطأ ...
*تجري تغير مع نفسك أنت ، في تزكيتها ، لأنك ملتزم ، فقد كنت في السابق إذا أتت أغنية سمعتها ، وإذا رأيت امرأة جلست تنظر إليها ، لكن عندما التزمت أصبحت مسئوليتك تجاه نفسك أكبر، يقول عز وجل : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) ، فيجب أن تزكي نفسك لأنك ملتزم ، وألا تدسيها لأنك ملتزم قد وضعت نفسك في هذا الموضع ، فيجب عليك أن تروض نفسك التي هي أمارة بالسوء ، وتنقيها وتحميها من الذنوب والمعاصي والآفات والأماكن التي لتليق بها .
بعد ذلك أن تعمل لهذا الدين ، فالله هداك لهذا الدين ، و موقفك أن تعمل له و تخدمه وتدعوا إليه ، وتحمي حياض النجاة ، و تدعو الآخرين إليها ، حتى يكثر سواد المسلمين وينتشر الخير ويعم الفضل ، وهذا من مسؤولياتك ، لأنك إن لم تدع إليه وأنت الملتزم ، فمن تتوقع أن يدعو إليه غيرك ؟
إنها مسؤوليتك وجزء من عملك أمام الله سبحانه وتعالى .
· ثم أن تقطع الصلة بالحياة السابقة : فقد انتقلت إلى حياة جديدة ، وهذا فعل الصحابة ، كان الرجل يدخل في الإسلام ويخلع على عتبة الدين كل ملابس الجاهلية ولا يلفت إليها أو يحن إليها ، و يخلص من قلبه أي رغبة إليها ، فتقطع صلتك بالحياة الأولى و بقرناء السوء ومكان السوء وشريط السوء وفيلم السوء ، فأي مكان له علاقة بوضعك الأول قبل الالتزام ، اقطع الصلة به ، فاستمرار الصلة به معناه الحنين إليه والرغبة في العودة إليه ، وهذه بداية الانهزام ، ومن سلك الطريق فلا ينظر إلى الوراء ، لأنك إن نظرت إلى الوراء خارت قواك ..
يقول ابن القيم الجوزية : " انظر إلى الظبي وكلب الصيد ، الظبي إذا رأيته كأنه خلق للطيران ، فبطنه لاصق في ظهره وقوائمه خفيفة لا تمس الأرض ، أما الكلب فهو عكسه ، لكن يطرح الكلب الظبي ، لأن الظبي عندما يجري يلتفت لينظر إذا كان الكلب وراءه أم ل ،ا والكلب يطرد ولا يلتفت ، فكلما التفت الظبي إلتفاتة ، خارت من عزمه وقواه درجة ، وزادت في قوى الكلب درجة ، و لو أن الظبي مشى ولم يلتفت لم يستطع الكلب الوصول إليه " .
إذن وأنت سارع ، يقول الله تعالى ( وسارعوا ) ، أي سابقوا ، لأن وراءك الكلب يريد أن يطرحك ، وهو الشيطان ، فإذا مشيت ولم تلتفت لا يستطيع الكلب عليك ، لأن الله تعالى يقول ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين )، فكن ماشيا في طريق الله بدون التفات ، فحين إذن لا يقدر عليك ، لكنك إذا تلفت وراءك ، إلى الأغنية تسمعها و غير ذلك من الذنوب ، طرحك الشيطان ، التفت للمرأة و الاستراحة ، فهذا بداية الانتكاس ، فاقطع صلتك بالماضي ونظم نفسك بالكلية ، حتى ولو بالدعوة لأن الشيطان قد يأتي إليك بطريقة ملتوية .
فأنت في هذه المرحلة لم تستطيع أن تهدي من أحببت لأنك في دور نقاهة ، وأنت لا تستطيع أن تهدي لأنك تدعوهم وأنت لست مؤهل لعلامة ، فالعلامة تأتي من الأطباء ، و هم يداوون المرضى ، أما أن يتعافى المريض ويتحول إلى طبيب ، فسعود مريضا وبسرعة ، إذن مما يعين على الثبات على الالتزام ، أن يعرف الإنسان أن طريق الالتزام فيه كثير من المعوقات ، فهو ليس طريقا سهلا ولا مفروشا بالورود ، بل طريق صعب ولاحم وشاق ..
يقول عليه الصلاة و السلام : " حفت الجنة بالمكاره " ، وأنت ما هو هدفك من الالتزام . ؟ الجنة بالطبع ، كل شخص يلتزم لأجل الجنة ، حتى حفت الجنة بالمكاره ، فلا تصل إلى الجنة إلا عبر تجاوز هذه المكاره ، مثل الذي يريد أن يتخرج من الجامعة ، التخرج حف بالمكاره ، وهي الدروس ، فلابد أن تتجاوزها حتى تتخرج منها . أما أن يقول أريد شهادة الجامعة لكن بدون أن ادرس ، فلا أحد يعطيك ذلك ..
ترجو النجاة و لم تسلك مسالكها *** أن السفينة لا تجري على اليبس
فمن يريد الجنة يصبر على المكاره .
ما هي المكارة التي تقف في طريق الملتزم ؟
1 ) الضعف عن مقاومة الإغراءات في الطريق ..
ففي النفس شهوات طبع الإنسان عليها … شهوة النساء – المال – النوم – اللعب ، و فيها حلال وحرام ، غرائز النفس البشرية تدعوك لها والعقل والقلب الإيماني يدعو للترفع عنها ، إذن وطن نفسك على ألا تستجيب لهذا الإغراءات وهذه الشهوات ، حتى تــَسلم ، أما إذا ظننت أن بإمكانك أن تكون ملتزما مع الاستجابة للشهوات تستمع الحرام وتشرب وتسير على الحرام ، فهذا إلتزام غير صحيح .
2 ) الضعف عن الاستمرار على أداء العبادات ..
لأن العبادات فيها تعب ، الله عز وجل يقول : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) ، و الصلاة والعبادة ليست عملا نؤديه مرة واحدة ، بل عبادة نستمر عليها حتى الموت ، فوطن نفسك على أن تقوم بهذا العمل …
عند قدوم رمضان لابد أن تصوم ، الحج لابد أن تحج ، الزكاة لابد أن تزكي ، لديك والدان لابد أن تبرهما . تصل رحمك تكرم أخوك في الله . رأيت منكرا لابد أن تغيره ، هذه هي العبادات ، القرآن لابد أن تحفظه ، الذكر لابد أن نؤديه ، فوطن نفسك على القيام بها وعدم التثاقل عنها لأنك إن لم توطن نفسك سيأتي يوم من الأيام وستقول إلى متى …
ثم وطن نفسك على مواجهة الضغوط الأسرية التي قد تواجه بها ، فعندما يلتزم الشخص قد يجد أن لكل فرد من أفراد عائلته وضعا معينا يواجهه ويحد من نشاطه ، وربما سخروا منه و اتهموه بالتطرف ، فوطن نفسك على ذلك ، ولذا ذكر الله عز و جل في القرآن عدة قصص ، من أجل أن نوطن أنفسنا على ذلك أخبرنا الله عز وجل عن إبراهيم وأن من كفر به أبوه . وأخبرنا عن نوح أن من كفر به ولده وكذلك من كفر به زوجته ، و أخبرنا عن محمد وأن من كفر به عمه فكذلك الناس لابد أن يجدوا في حياتهم ، مثل ذلك الذي رأوه أنبياء الله عز وجل ..
(********************************)
تمت المادة بحمد الله ..